سورة محمد - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


قوله تعالى: {ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة} وذلك أن المؤمنين كانوا حراصاً على الجهاد في سبيل الله فقالوا: فهلا أنزلت سورة تأمرنا بالجهاد؟ لكي نجاهد {فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال} قال مجاهد: كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة وهي أشد القرآن على المنافقين {رأيت الذين في قلوبهم مرض} يعني نفاقاً وهم المنافقون {ينظرون إليك} يعني شزراً وكراهية منهم للجهاد وجبنا عن لقاء العدو {نظر المغشي عليه من الموت} يعني كما ينظر الشاخص بصره عند معاينة الموت {فأولى لهم} فيه وعيد وتهديد وهو معنى قولهم في التهديد وليك وقاربك ما تكره وتم الكلام عند هذا.
ثم ابتدأ بقوله: {طاعة وقول معروف} فعلى هذا هو مبتدأ محذوف الخبر تقديره طاعة وقول معروف أمثل لهم وأولى بهم.
والمعنى: لو أطاعوا وقالوا قولاً معروفاً كان أمثل وأحسن. وقيل: هو متصل بما قبله واللام في لهم بمعنى الباء مجازة فأولى بهم طاعة الله وطاعة رسوله وقول معروف بالإجابة والمعنى لو أطاعوا وأجابوا لكانت الطاعة والإجابة أولى بهم وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء عنه {فإذا عزم الأمر} فيه حذف تقديره فإذا عزم صاحب الأمر وقيل: هو على أصله ومجازه كقولنا: جاء الأمر ودنا الوقت وهذا أمر متوقع. ومعنى الآية: فإذا عزم الأمر خالف المنافقون وكذبوا فيما وعدوا به {فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم} يعني الصدق وقيل: معناه لو صدقوا الله في إظهار الإيمان والطاعة لكان ذلك خيراً لهم {فهل عسيتم} أي فلعلكم {إن توليتم} يعني أعرضتم عن سماع القرآن وفارقتم أحكامه {أن تفسدوا في الأرض} يعني تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الفساد في الأرض بالمعصية والبغي وسفك الدم وترجعوا إلى الفرقة بعد ما جمعكم الله بالإسلام {وتقطعوا أرحامكم} قال قتادة كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ألم يسفكوا الدم الحرام وقطعوا الأرحام وعصوا الرحمن؟
(ق) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرحم شجنة من الرحمن فقال الله تعالى من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته» وفي رواية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن فقال: مَهْ فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذلك لك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}».


{أولئك} إشارة إلى من إذا تولى أفسد في الأرض وقطع الأرحام {الذين لعنهم الله} يعني أبعدهم من رحمته وطردهم عن جنته {فأصمهم} يعني عن سماع الحق {وأعمى أبصارهم} يعني عن طريق الهدى وذلك أنهم لما سمعوا القرآن فلم يفهموه ولم يؤمنوا به وأبصروا طريق الحق فلم يسلكوه ولم يتبعوه، فكانوا بمنزلة الصم العمى، وإن كان لهم أسماع وأبصار في الظاهر {أفلا يتدبرون القرآن} يعني يتكفرون فيه وفي مواعظه وزواجره وأصل التدبر التفكر في عاقبة الشيء وما يؤول إليه أمره. وتدبر القرآن لا يكون إلا مع حضور القلب وجمع الهم وقت تلاوته ويشترط فيه تقليل الغذاء من الحلال الصرف وخلوص النية {أم على قلوب اقفالها} يعني بل على قلوب أقفالها وجعل القفل مثلاً لكل مانع للإنسان من تعاطي فعل الطاعة. يقال: فلان مقفل عن كذا، بمعنى ممنوع منه.
فإن قلت: إذا كان الله تعالى قد أصمهم وأعمى أبصارهم وأقفل على قلوبهم وهو بمعنى الختم فكيف يمكنهم تدبر القرآن مع هذه الموانع الشديدة.
قلت: تكليف ما لا يطاق جائز عندنا، لأن الله أمر بالإيمان لمن سبق في علمه أنه لا يؤمن فكذلك هنا والله يفعل ما يريد لا اعتراض لأحد عليه. وقيل: إن قوله: {أفلا يتدبرون القرآن} المراد به التأسي. وقيل: إن هذه الآية محققة للآية المتقدمة وذلك أن الله تعالى لما قال: {أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} فكان قوله أفلا يتدبرون القرآن كالتهييج لهم على ترك ما هم فيه من الكفر الذي استحقوا بسببه اللعنة أو كالتبكيت لهم على إصرارهم على الكفر والله أعلم بمراده.
وروى البغوي بإسناد الثعلبي، عن عروة بن الزبير قالا: «تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها فقال شاب من أهل اليمن: بل على قلوب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولي فاستعان به» هذا حديث مرسل وعروة بن الزبير تابعي من كبار التابعين وأجلهم لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ولد سنة اثنتين وعشرين وقيل غير ذلك.
قوله عز وجل: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم} يعني رجعوا القهقرى كفاراً {من بعد ما تبين لهم الهدى} يعني من بعد ما وضح لهم طريق الهداية. قال قتادة: هم كفار أهل الكتاب كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم من بعد ما عرفوه ووجدوا نعته في كتابهم. وقال ابن عباس والضحاك والسدي: هم المنافقون آمنوا أولاً ثم كفروا ثانياً {الشيطان سول لهم} يعني زين لهم القبيح حتى رأوه حسناً {وأملى لهم} قرئ بضم الألف وكسر اللام وفتح الياء على ما لم يسم فاعله يعني أمهلوا ومد لهم في العمر وقرئ وأملى لهم بفتح الألف واللام بمعنى وأملى لهم الشيطان بأن مد لهم في الأمل.


{فكيف إذا توفتهم الملائكة} يعني فكيف يكون حالهم إذا توفتهم الملائكة {يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك} يعني ذلك الضرب {بأنهم} يعني بسبب أنهم {اتبعوا ما أسخط الله} يعني ترك الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس: بما كتموا من التوراة وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم {وكرهوا رضوانه} يعني كرهوا ما فيه رضوان الله عز وجل وهو الإيمان والطاعة والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {فأحبط أعمالهم} التي عملوها من أعمال البر لأنها لم تكن لله ولا بأمره {أم حسب الذين في قلوبهم مرض} أي شك ونفاق وهم المنافقون {أن لن يخرج الله أضغانهم} يعني يظهر أحقادهم على المؤمنين فيبديها حتى يعرف المؤمنون نفاقهم واحدها ضغن وهو الحقد الشديد. وقال ابن عباس: حسدهم {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم} لما قال تعالى: {أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم} فكأن قائلاً قال لمَ لمْ يخرج أضغانهم ويظهرها فأخبر تعالى أنه إنما أخر ذلك لمحض المشيئة لا لخوف منهم فقال تعالى: {ولو نشاء لأريناكهم} لا مانع لنا من ذلك. والإراءة بمعنى التعريف والعمل. وقوله: {فلعرفتهم} لزيادة فائدة وهي أن التعريف قد يطلق ولا يلزم منه المعرفة الحقيقية كما يقال: عرفته فلم يعرف فكان المعنى هنا عرفناكهم تعريفاً تعرفهم به ففيه إشارة إلى قوة ذلك التعريف الذي لا يقع معه اشتباه وقوله: {بسيماهم} يعني بعلامتهم أي نجعل لك علامة تعرفهم بها. قال أنس: ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين وكان يعرفهم بسيماهم {ولتعرفنهم في لحن القول} يعني في معنى القول وفحواه ومقصده وللحن معنيان صواب وخطأ صرف الكلام وإزالته عن التصريح إلى المعنى والتعريض وهذا محمود من حيث البلاغة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «فلعل بعضكم ألحن بحجته من بعض» وإليه قصد بقوله: {ولتعرفنهم في لحن القول} وأما اللحن المذموم فظاهر وهو صرف الكلام عن الصواب إلى الخطأ بإزالة الإعراب أو التصحيف. ومعنى الآية: وإنك يا محمد لتعرفن المنافقين فيما يعرضون به من القول من تهجين أمرك وأمر المسلمين وتقبيحه والاستهزاء به فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عرفه بقوله ويستدل بفحوى كلامه على فساد باطنه ونفاقه ثم قال الله تعالى: {والله يعلم أعمالكم} يعني أعمال جميع عباده فيجازي كلاًّ على قدر عمله.
قوله تعالى: {ولنبلونكم} يعني ولنعاملنكم معاملة المختبر فإن الله تعالى عالم بجميع الأشياء قبل كونها ووجودها {حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} يعني إنا نأمركم بالجهاد حتى يظهر المجاهد ويتبين من يبادر منكم ويصبر عليه من غيره لأن المراد من قوله: {حتى نعلم} أي علم الوجود والظهور {ونبلوا أخباركم} يعني نظهرها ونكشفها ليتبين من يأتي القتال ولا يصبر على الجهاد {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول} يعني خالفوه فيما أمرهم به من الجهاد وغيره {من بعد ما تبين لهم الهدى} يعني من بعد ما ظهر لهم أدلة على الهدى وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم {لن يضروا الله شيئاً} يعني إنما يضرون أنفسهم بذلك والله تعالى منزه عن ذلك {وسيحبط أعمالهم} يعني وسيبطل أعمالهم فلا يرون لها ثواباً في الآخرة لأنها لم تكن لله تعالى قال ابن عباس: هم المطعمون يوم بدر.

1 | 2 | 3 | 4